المساءلة الاجتماعية ربط للمسؤولية بالمحاسبة وتدعيم للفاعلية والانفتاح
يمكن تعريف المساءلة بوصفها “التزام القائمين على السلطة بالخضوع للمساءلة أو تحمل المسؤولية عن أفعالهم”، والمقصود بالقائمين على السلطة، أولئك الذين يشغلون مناصب سياسية أو مالية أو غيرها، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون، والشركات الخاصة، والمؤسسات المالية الدولية، ومنظمات المجتمع المدني.
تعتبر المساءلة الإجتماعية من تبعات “العقد الإجتماعي” الضمني بين المواطنين ومن يمثلونهم أو ينوبون عنهم في أي نظام ديمقراطي، فمن المبادئ الأساسية للديمقراطية الاعتراف بحق المواطنين في المطالبة الفاعلة بتطبيق المساءلة، والتزام الأطراف العامة الفاعلة بتحقيقها، أو بتحمل المسؤولية عن أفعالها.
تمتلك كل الدول آليات لتعزيز أو ضمان مساءلة موظفي الدولة، ويُشار عادةً إلى الأنظمة الداخلية للدولة بوصفها آليات مساءلة “أفقية”. ومن هذه الآليات:
- الآليات السياسية كالمقتضيات الدستورية مثلاً والمواد الدستورية التي تنصّ على ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو الفصل بين السلطات، والمؤسسة التشريعية والهيئات الرقابية وهيئات التنفيذ (…)؛
- الآليات المالية العامة وهي النُظُم الرسمية للمراجعة والتدقيق والمحاسبة المالية: المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات نموذجا؛
- الآليات الإدارية مثل النظام الهرمي للتبعية، والأعراف المتعلقة بسلوكيات القطاع العام، ومواثيق العاملين في مجال الخدمة العمومية والقواعد والإجراءات المتعلقة بالشفافية والإشراف العام؛
- الآليات القانونية مثل أجهزة الرقابة الخاصة بمكافحة الفساد، مؤسسة الوسيط، والقضاء.
تتطلب المساءلة الأفقية من الموظفين العموميين استخدام العديد من مؤسسات المساءلة في الإبلاغ عن أي “انحراف” إلى غيرهم من مسؤولي الدولة. وعلى العكس من ذلك، تعتبر الانتخابات والوصول إلى المعلومات العمومية من أهم آليات المساءلة “العمودية” أو “الخارجية”.
في الانتخابات وسيلة شعبية قوية لتعزيز خضوع الحكومة للمساءلة، والحصول على المعلومات هو من الدعائم الأساسية لتحقيق هذه المساءلة. وكثيرا ما يتطلب إخضاع المسؤولين للمساءلة، الى إتاحة وتحليل معلومات كل ما يتعلق بالعرض (الحكومة ومقدّمي الخدمات)، والطلب (المواطنين والمستفيدين من الخدمات العمومية). هذا الجمع بين نوعين من المعلومات يتيح للمواطنين وجمعيات المجتمع المدني تطوير قاعدة بيانات ثرية، يمكن أن يعول عليها عند التدخل في مجال المساءلة الاجتماعية.
المساءلة الاجتماعية إذن هي ذلك النهج الذي تنبني عليه المسؤولية والمحاسبة، والذي يعتمد على المشاركة المدنية، حيث يشارك المواطنون العاديون أو منظمات المجتمع المدني أو كلاهما معاً بشكل مباشر أو غير مباشر في إخضاع الأطراف الحكومية للمساءلة عن أفعالها. ويمكن للدولة أو المواطنين أو كليهما وضع آليات المساءلة وتدعيمها. لكن ما يحدث في الغالب هو أن جانب الطلب لا العرض هو الذي يحرك المساءلة، اي أن اتجاهها هو من أسفل إلى أعلى.